حسن الصباح أم فتح الله غولن- من الأخطر على العالم؟

المؤلف: كمال أوزتورك10.05.2025
حسن الصباح أم فتح الله غولن- من الأخطر على العالم؟

إذا ما سبق لك الانغماس في صفحات رواية "قلعة آلموت" للعبقري فلاديمير بارتول، فمن المؤكد أنك قد صادفت قصة حسن الصبّاح. لم يقتصر تأثيره على العالم الإسلامي فحسب، بل امتد ليشمل أجهزة الاستخبارات الغربية، وأضواء هوليود الساطعة، وحتى ألعاب الفيديو الشهيرة مثل "أساسنز كريد"، جميعها استلهمت من التنظيم الإجرامي الذي أسسه الصبّاح ومن أساليب الاغتيال المدهشة التي ابتكرها.

عُرف حسن الصبّاح عبر التاريخ بتدريبه القتلة المهرة في "جنة وهمية" أنشأها داخل أسوار قلعة آلموت الحصينة، حيث قام أتباعه باغتيال نخبة رجالات الدولة في عصره، بمن فيهم نظام الملك، أحد أبرز وزراء الدولة السلجوقية. أُطلق على أتباعه لقب "الحشاشين"؛ وذلك لتعاطيهم مخدر الحشيش. ومن هذه الكلمة، انبثقت الكلمة الإنجليزية "assassin"، والتي تعني القاتل المحترف. حقًا، لقد ترك حسن الصباح بصمة لا تُمحى في تاريخ البشرية.

فتح الله غولن، ذلك "الرجل الديني" التركي، أسس تنظيمًا ربما يفوق تنظيم حسن الصبّاح في الحجم والتأثير، واستخدم أساليب لا تقل خبثًا ودهاءً. انخرط غولن لسنوات طوال في بناء تنظيمه السري تحت ستار مؤسسات تعليمية وجمعيات دينية، وفي عام 1999، انتقل إلى الولايات المتحدة بذريعة مشاكل صحية، ولكن الحقيقة كانت هروبه من التوتر المتصاعد في علاقته بالدولة التركية.

في فترة حكم حزب العدالة والتنمية، نعم التنظيم ببعض الحرية، ولكن بعد تفاقم العلاقات في عام 2013، بدأ الوجه الحقيقي للتنظيم في الظهور. اتضح أن الرجل الذي كان يظهر في صورة "الشيخ" المتدين، هو في الواقع زعيم لتنظيم استخباراتي عالمي يعتمد على الاغتيالات المدبرة، والابتزاز الرخيص، والتنصت غير القانوني، وتسجيل اللحظات الخاصة للأفراد، ويقوم بتخزين كل هذه التسجيلات في الولايات المتحدة وكندا. نجح التنظيم في تأسيس جامعات، ومدارس، ومؤسسات تجارية، ومراكز أبحاث في أكثر من مئة دولة منتشرة في قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا وأميركا.

كان غولن يمتلك ثروة طائلة تُقدر بمليارات الدولارات، وكان تنظيمه يدار بشكل هرمي دقيق، حيث كانت الطبقات العليا متخصصة في الأنشطة الاستخباراتية والسياسية المعقدة، بينما كان الأتباع في الطبقات الدنيا منشغلين بالأنشطة التعليمية والدينية دون علم بما يحدث في القمة.

بلغت ثقة غولن بنفسه حد الغرور، حيث كان يعتقد واهمًا أنه يستخدم وكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA) والموساد الإسرائيلي لتحقيق مآربه الشخصية. كانت طموحاته تتجاوز الحدود، حيث كان يهدف إلى تأسيس "دولة عالمية" مترامية الأطراف، وكان يُلقب داخل التنظيم بلقب "إمام الكون".

لكن مع انقضاء الوقت، اتضح بجلاء أن إسرائيل وأميركا استغلتا التنظيم لتحقيق مصالحهما الخاصة، بل وسيطرتا في نهاية المطاف على غولن وكبار قادة التنظيم. تمتع التنظيم بنفوذ واسع النطاق لدرجة أنه نفذ محاولة انقلاب عسكري في تركيا في 15 يوليو/ تموز 2016. لكن المحاولة باءت بالفشل الذريع بفضل خروج الشعب التركي إلى الشوارع وتشبث الرئيس أردوغان بموقفه.

أسفرت المحاولة الانقلابية عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة الآلاف بجروح، وتسببت في معاناة عشرات الآلاف بسبب التداعيات المريرة للانقلاب الفاشل. وعلى الرغم من أن غولن خطط لانقلابه الفاشل من الأراضي الأميركية، فإن السلطات الأميركية رفضت تسليمه إلى تركيا، وكان هذا أحد الأسباب الرئيسية لتدهور العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة.

للأسف الشديد، وعلى الرغم من كل الأحداث المأساوية التي مرت بها تركيا، لم تتمكن من وقف أنشطة تنظيم غولن في أكثر من مئة دولة حول العالم. بعض الدول استخلصت الدروس والعبر من التجربة التركية المريرة وطردت التنظيم من أراضيها، ولكن الغالبية العظمى لم تغلق مدارسه وأنشطته التجارية أو الاجتماعية.

يقوم التنظيم بتربية الأطفال في مدارسه لتهيئتهم لتولي مناصب حساسة وحيوية في حكومات تلك الدول لاحقًا، وما زال التنظيم نشطًا حتى اليوم في آسيا، وأفريقيا، والشرق الأوسط بدعم سخي من أميركا وإسرائيل. وعندما تظهر في هذه الدول مشاكل تهدد مصالح أميركا وإسرائيل، يتدخل التنظيم بشكل سري لحل تلك المشاكل. وعندما تتفاقم الأزمة وتخرج عن السيطرة، يلجأ التنظيم إلى محاولات انقلاب عسكري، كما حدث في تركيا، وكما حاول في قرغيزستان.

في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أعلن الموقع الرسمي لتنظيم فتح الله غولن "herkul.org" عن وفاته في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2024. كانت الشائعات حول وفاته قد انتشرت في السابق، لكن هذه المرة جاءت تأكيدات رسمية من وسائل إعلام التنظيم تؤكد خبر الوفاة.

بعد وفاته، اشتد الصراع الداخلي داخل التنظيم على المليارات التي كان يملكها غولن، بما في ذلك العقارات والأصول الأخرى. ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة نزاعًا حادًا بين أعضاء التنظيم في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا حول من يخلف غولن في زعامة التنظيم.

الكلمة الفصل في اختيار الزعيم الجديد ستكون بلا شك بيد الحكومة الأميركية التي ترعى التنظيم وتدعمه. ولكن يبقى السؤال المطروح: هل ستتخلى أميركا عن هذا التنظيم المفكك والضعيف؟ لا يزال العالم غافلاً تمامًا عن مدى خطورة تنظيم غولن وحجمه الحقيقي، ولكن في تركيا، يدرك الجميع تمام الإدراك أن فتح الله غولن كان أخطر بكثير من حسن الصباح. وربما سيدرك العالم هذا الخطر بشكل أوضح الآن.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة